
القاهرة ()- وجد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نفسه مُستسلمًا لقوة الآيفون، رغم استمراره في تنفيذ سياساته الجمركية القاسية تجاه الصين.
حسب تقرير صحيفة صنداي تايمز، فإن الإعفاء الأخير للهواتف الذكية، بما في ذلك هاتف آيفون من شركة آبل، من الرسوم الجمركية الجديدة، يُظهر التأثير الكبير الذي تتمتع به شركات وادي السيليكون ولا سيما آبل على التجارة العالمية والسياسات الجيوسياسية، وهو ما يُعرف بقوة الآيفون.
تؤكد هذه الخطوة أن الآيفون، الذي يُعتبر رمز العولمة في عصرنا الحديث، لا يزال عنصرًا رئيسيًا في توازن العلاقات الدولية، على الرغم من خطاب ترامب المتشدد حول الحروب التجارية.
تراجع العولمة ولكن ليس قوة الآيفون
لطالما كانت إدارة ترامب من أبرز المدافعين عن تقليص العولمة، خصوصًا مع الصين، مشيرةً إلى ممارسات تجارية غير عادلة وسرقة للملكية الفكرية. ومع ذلك، فإن إعفاء هواتف آيفون من الرسوم الجمركية الجائرة، التي كانت تستهدف في البداية تشكيلة واسعة من المنتجات الصينية، يُبرز التوازن الدقيق الذي يجب أن يسعى إليه ترامب.
بينما يمكنه الترويج للانعزالية الاقتصادية، إلا أن الطبيعة العالمية لسلسلة التوريد الخاصة بآبل تجعل من المخاطرة باتخاذ إجراءات جذرية بشأن الآيفون خطوةً غير محسوبة.
تشير التقارير إلى أن حوالي 60% من الهواتف الذكية المباعة في الولايات المتحدة هي من طراز آيفون، مما يعكس هيمنة هذا الهاتف. لكن الأهمية تزداد بسبب الشبكة المعقدة لسلسلة التوريد التي تدعم كل جهاز.
من غاليسيا في إسبانيا إلى تايوان، وصولًا إلى تشنغتشو في الصين، حيث تُجمع غالبية أجهزة آيفون، يُعتبر كل جهاز وفقًا لذلك نموذجًا مُصغّرًا للتعاون العالمي، حيث تمر مكونات الهاتف، مثل الرقاقة الدقيقة، عبر العديد من خطوط الصدع الجيوسياسية.
سلسلة التوريد العالمية الهشة وراء آيفون
تعود الهيمنة العالمية لآيفون إلى الإدارة المُحكمة لسلسلة توريد آبل. من المواد الخام المستخرجة في إسبانيا إلى خط التجميع في الصين، تُعتبر هذه العملية صورة حية للعولمة في أوجها.
في الواقع، تُظهر رحلة رقاقة آيفون، التي تنتقل من إسبانيا إلى تايوان ثم إلى ماليزيا قبل الوصول إلى الصين، مدى الترابط العميق الذي يدفع عالم التكنولوجيا المعاصر.
لكن، هشاشة هذه السلسلة واضحة كذلك. يُعتبر اعتماد آبل على شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات (TSMC)، الرائدة عالميًا في صناعة الرقاقات، أمرًا حيويًا.
أي اضطراب في تايوان، خاصةً مع الطموحات العسكرية الصينية المتزايدة، قد يؤدي إلى انقطاع إمدادات آبل من الرقاقات، مما يُسبب زيادة حادة في أسعار هواتف آيفون.
كما أن تطبيق رسوم ترامب الجمركية، إذا ما أصابت هذه المكونات الأساسية، قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار أيضًا، وهو السيناريو الذي تأمل آبل، بالإضافة إلى ملايين المستهلكين الأمريكيين المعتمدين على هواتف آيفون، في تجنبه.
اقرأ أيضًا..
ثمن الحرب التجارية معضلة المستهلك
الحملة الجمركية التي أطلقها ترامب، والتي اقترحت في البداية فرض ضريبة بنسبة 145% على السلع الصينية، كانت ستؤدي إلى زيادة كبيرة في أسعار هواتف آيفون. وقت إصدار التعريفات الجمركية، كان من الممكن أن يصل سعر iPhone 16، الذي كانت قيمته 799 دولارًا، إلى أكثر من 1400 دولار، مع احتمال تخطي أسعار الطرازات العليا 2000 دولار.
مع وجود حوالي 150 مليون مُستخدم للآيفون في الولايات المتحدة، كان لذلك تأثير كبير على ردود الفعل الشعبية.
لطالما كانت قدرة آبل على الحفاظ على أسعار مستقرة نسبيًا في ظل تقلبات السوق العالمية إحدى ميزاتها التنافسية، لذا فإن إعفاء أجهزة الآيفون من هذه التعريفات الجمركية يمثل انتصارًا ليس فقط لشركة آبل، بل أيضًا للمستهلكين الأمريكيين المرتبطين بشدة بنظام آبل.
سلسلة توريد عالمية تحت المصاعب
رغم الجهود المبذولة لإعادة الإنتاج إلى داخل الولايات المتحدة، مثل الضغوط الحكومية على شركة TSMC لفتح مصانع في أريزونا، تظل حقيقة أن اعتماد آبل على التصنيع في الصين قائمًا.
حتى مع جهود آبل لزيادة الإنتاج المحلي، بما في ذلك تصنيع أجهزة ماك بوك في تكساس، تبقى القوى العاملة والبنية التحتية اللوجستية في الصين جزءًا جوهريًا من عملياتها.
الشكل العملي للعمالة الكثيفة في تصنيع آبل في الصين، حيث يعكف ملايين العمال، يزيد من تعقيد أي محاولة لنقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، فإن اعتماد آبل الكبير على العناصر الأرضية النادرة، التي يتم استيراد الكثير منها من الصين، يعرض الشركة لمخاطر التوترات الجيوسياسية. مع سيطرة الصين على جزء كبير من الإمدادات العالمية لهذه المواد الحيوية، فإن أي اضطرابات تجارية قد تُحدث آثارًا متسارعة على إنتاج ليس فقط هواتف آيفون، بل أيضًا على مجموعة واسعة من الأجهزة الإلكترونية العالمية.
الآيفون رمزٌ للعولمة
في النهاية، تحول الآيفون إلى رمز لقوى العولمة التي حاولت إدارة ترامب التصدي لها. ورغم محاولاته لإعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي، تبقى الحقيقة أن أهم منتج تكنولوجي في العالم لم يكن ليظهر دون سلاسل التوريد العالمية التي تربط الدول بعضها ببعض.
بينما يتعامل ترامب مع تعقيدات حروبه التجارية، يُذكرنا الآيفون بمدى الترابط الذي يميز العالم الحديث، وبحدود السياسات الاقتصادية للدول.
الدرس المستفاد من قرار ترامب بإعفاء أجهزة الآيفون من الرسوم الجمركية واضح بينما قد تكون العولمة في حالة حصار، تظل قوى التعاون والترابط قوية في عالم التكنولوجيا والهواتف الذكية، حتى أن قائدًا حازمًا مثل ترامب يجب أن يُدرك الآثار الحتمية لإمبراطورية آبل العالمية.
.
تم .
التعليقات