أزمة جديدة الهجوم على زوكربيرج.. هل يسمح ترامب بتفكيك إمبراطورية ميتا

القاهرة () – في دراما قانونية قد تؤثر بشكل جذري على مستقبل الرأسمالية الأمريكية، تصاعدت الانتقادات ضد مارك زوكربيرج، مؤسس شركة ميتا (فيسبوك سابقًا)، حيث وجد نفسه مؤخرًا ماثلاً أمام العدالة في قضية احتكار تهدد بتفكيك إمبراطوريته في عالم وسائل التواصل الاجتماعي.

وتتهم لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) زوكربيرج وميتا بممارسات احتكارية في مجال وسائل التواصل الاجتماعي، زاعمة أن الشركة قامت بقمع المنافسة من خلال الاستحواذ على منافسين محتملين. ولكن في العمق، تثير هذه القضية تساؤلات جوهرية حول جوهر ريادة الأعمال ومبادئ السوق الحرة.

قضية تستند إلى استحواذات استراتيجية

تستند دعوى لجنة التجارة الفيدرالية إلى الادعاء بأن استحواذ ميتا على إنستجرام وواتساب كان بمثابة محاولات “لشراء أو خنق” المنافسة المحتملة.

عندما قام زوكربيرج بشراء إنستجرام بمليار دولار في عام 2012 وواتساب بـ 19 مليار دولار في عام 2014، كانت تلك الشركات تحتل مكانة بعيدة كل البعد عن عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي التي تفوقوا عليها اليوم.

في ذلك الوقت، اعتبر النقاد استثمارات زوكربيرج محفوفة بالمخاطر، حيث تساءل بعضهم عما إذا كانت ميتا قد دفعت مبالغ مبالغ فيها على شركات لم تثبت جدواها الاقتصادية بعد. ومع ذلك، وعند النظر إلى الماضي، تظهر تلك الاستحواذات كواحدة من أذكى القرارات التجارية في القرن. فقد رأى زوكربيرج إمكانيات لم يُدركها الآخرون، وبفضل رؤيته، حول إنستغرام إلى المنصة الرائدة في المحتوى المرئي والتفاعل الاجتماعي، وواتساب إلى التطبيق الأكثر شعبية في عالم المراسلة.

بدلاً من قتل المنافسة، أسهم زوكربيرج في تطوير ودعم تلك الاستحواذات، مضيفًا إياها إلى شبكة تضم حالياً مليارات المستخدمين حول العالم. ومع ذلك، يبقى السؤال هل من العدل معاقبة ميتا على نجاحها في تحديد وتحسُّس قيمة الشركات المنافسة والاستحواذ عليها إذا اعتبرت الهيئات التنظيمية هذه القرارات التجارية الذكية بمثابة احتكار، فإنها تعرض رواد الأعمال المستقبليين للخطر وتضعف حوافزهم لتوسيع أنشطتهم التجارية.

هل تعاني ميتا من احتكار حقيقي

على الرغم من مكانة ميتا المهيمنة في مشهد وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن وضعها لا يستوفي معايير الاحتكار التقليدي.

تمتلك ميتا حصة تقدر بنحو 19% من سوق الإعلانات الرقمية العالمي، وهو رقم كبير، ولكنه أقل بكثير من الـ 25% التي تعتبر معيارًا للاحتكار. واقعياً، تواجه ميتا منافسة شديدة من عمالقة التكنولوجيا الآخرين مثل جوجل، ويوتيوب، وتيك توك، وأمازون، بالإضافة إلى منصات أصغر متخصصة.

علاوة على ذلك، ورغم انتشار واتساب الواسع، لا يحقق التطبيق إيرادات ترقى إلى مستوى قاعدة مستخدميه الضخمة، حيث يلقى منافسة متزايدة من منصات أخرى مثل تيليجرام التي تكتسب شعبية متزايدة في مجال المراسلة الفورية. لذا، فإن القوة السوقية لميتا، رغم اتساعها، ليست بلا منازع.

تستند دعوى لجنة التجارة الفيدرالية إلى فكرة أن استراتيجيات استحواذ ميتا على المنافسين تعد احتكارية بطبيعتها، ولكن هذا الرأي يغفل حقيقة أن استحواذات زوكربيرج كانت نتيجة لبصيرة قيادية، وليس مجرد ممارسات تجارية استغلالية.

إن محاولة الحكومة لتفكيك ميتا لن تلحق الضرر بإنجازات زوكربيرج فحسب، بل ستؤسس أيضًا سابقة خطيرة في كيفية تصرف الشركات تجاه الفرص المتاحة.

الصورة الأوسع عقوبة النجاح

تمثل القضية التي أُقيمت ضد ميتا بعداً أوسع إمكانية تجريم نجاح الأعمال. على مر الزمن، تم تكريم رواد الأعمال الناجحين لقدرتهم على تحديد الفرص ذات القيمة المنخفضة والاستفادة منها.

هل كان ينبغي معاقبة بيل جيتس لأنه احتفظ بحقوق شفرة البرنامج التي باعها لشركة آي بي إم في السبعينيات هل ينبغي معاقبة وارن بافيت لتوظيفه استثمارات في شركات تجاهلها الآخرون هل يجب محاكمة برنارد أرنو الذي حول شركة LMVH إلى رائدة عالمية في مجال السلع الفاخرة من خلال عمليات استحواذ

إذا كانت الإجابة على هذه الأسئلة بالنفي، فلماذا يُعاقب زوكربيرج لفعله الشيء نفسه مع إنستجرام وواتساب من خلال تثبيط رواد الأعمال عن البحث عن استحواذات مدروسة، قد تضع الجهات التنظيمية فعليًا قيودًا على المميزات التي تعزز الابتكار والنمو الاقتصادي المخاطرة والطموح.

عواقب معاقبة المخاطرة

يكمن جوهر الرأسمالية الحرة في القدرة على المخاطرة وبناء الأعمال من الصفر. غالبًا ما يواجه رواد الأعمال تحديات مالية وتحملاً للشكوك، وعندما يتحقق النجاح، يستحقون المكافأة.

ومع ذلك، إذا تم عقاب رواد الأعمال الناجحين على اتخاذ قرارات جريئة، ستنخفض حوافز المخاطرة بشكل كبير. والنتيجة ستكون اختناق الابتكار وتأثير سلبي على روح ريادة الأعمال، في نظام يكافئ التواضع بدلاً من التألق.

بينما لا أحد يقترح السماح للاحتكارات الضارة بالمستهلكين بالازدهار، هناك فرق جوهري بين شركة تستخدم ممارسات غير عادلة للهيمنة على سوقها، وأخرى تحقق النجاح من خلال الابتكار والاستثمارات الاستراتيجية. وتبدو القضية المقدمة ضد ميتا كأنها تشوش هذا الخط الفاصل، إذ تصوّر احتكارًا حيث لا يوجد احتكار.

.
تم .