
لقد شهدت مصر القديمة مجموعة متنوعة من الأعياد، سواء كانت دينية أو اجتماعية أو زراعية، ومن أبرزها عيد شم النسيم الذي تميز بطقوس احتفالية فريدة تعكس التقاليد المميزة لهذه الحضارة مقارنةً بحضارات الشرق القديم الأخرى.
في خضم هذه الأعياد، نجد أن بعضًا منها قد اختفى بمرور الزمن لعدة أسباب تاريخية ودينية، بينما ظلت أعياد أخرى حية في ذاكرة المصريين حتى اليوم، مثل عيد “شم النسيم” الذي يحتفل به المصريون منذ نحو 4700 عام.
عيد شم النسيم في مصر القديمة
يُعتبر “شم النسيم” من الأعياد الزراعية البارزة في مصر القديمة، وقد اقترن في الأصل بعبادات دينية تعكس علاقة الإنسان بالطبيعة والزراعة. يحمل اسم هذا العيد في اللغة المصرية القديمة معنى “شمو”، الذي يشير إلى الصيف والحصاد.
الأصل المصري للاسم
على مر العصور، تحول الاسم إلى “شم” في اللغة القبطية، وهي النسخة المتأخرة من الكتابة المصرية، والتي تضم حروفًا يونانية. بعض الدراسات تشير إلى أن الاسم الأصلي كان يعني “حصاد- نبات”، مما يعكس الأصل المصري للاسم ويجعل من غير الضروري استخدام كلمة “نسيم” العربية التي تدل على الرياح اللطيفة.
تباينت آراء الباحثين حول تاريخ بدء الاحتفال بهذا العيد، حيث يعتقد بعضهم أنه يعود إلى عصور ما قبل الأسرات، بينما يرى آخرون أنه بدأ نحو عام 4000 قبل الميلاد، ومع ذلك فإن الرأي السائد يشير إلى أن الاحتفال الرسمي قد بدأ في عام 2700 قبل الميلاد، مع نهاية الأسرة الثالثة وبدء الأسرة الرابعة.
قسم المصريون القدماء السنة إلى ثلاثة فصول رئيسية تتعلق بالدورة الزراعية، وهي فترة الفيضان (آخت) التي تبدأ في يوليو، فترة بذر البذور (برت) التي تبدأ في نوفمبر، وفترة الحصاد (شمو) التي تبدأ في مارس.
لم تقتصر حياة المصريين على العبادة فقط، رغم الطابع الديني لهذه الأعياد، بل كانوا يسعون إلى نشر الفرح والسرور في حياتهم اليومية، ومن أبرز تجليات هذا الفرح كانت “أناشيد الضارب على الجنك”، التي تعكس تمسكهم بالبهجة في أوساط أسرهم.
اقرأ أيضًا
العيد كبداية لحياة جديدة
كان عيد “شم النسيم” بمثابة بداية جديدة للحياة، حيث احتفل المصريون بقدوم فصل الربيع وتجدد الطبيعة، عبر طقوس تقديم سنابل القمح للإله الخالق، في دلالة على بداية الخلق الجديد.
شملت احتفالات هذا العيد الخروج إلى الحدائق والحقول للاستمتاع بجمال الطبيعة، وتناول الأطعمة التقليدية مثل البيض، والفسيخ، والبصل، والخس، والحمص الأخضر، والتي كانت تحمل معانٍ دينية وثقافية تعكس تجدد الحياة وارتباطها بالخالق. وكان يُعتقد أن البيضة تمثل بداية الخلق، حيث كان يُقال إن الإله خلق الأرض من بيضة.
استمرت طقوس “شم النسيم” عبر العصور، لتصبح عيدًا عامًا يحتفل به جميع المصريين دون تمييز بين الأديان، مما جعله رمزًا للوحدة الوطنية في مصر.
كما انتقلت هذه التقاليد إلى حضارات الشرق القديم عقب الفتوحات العسكرية للملك تحوتمس الثالث، ليحتفل به شعوب المنطقة مع تكييفه وفقًا لمعتقداتهم.
ظل “شم النسيم” موروثًا شعبيًا في مصر، يشهد على روح الوحدة والتجدد التي تميزت بها الحضارة المصرية القديمة. واستمرت طقوس هذا العيد عبر الآلاف السنين، كما بقيت رموزه تحمل معاني دينية وثقافية عميقة.
اقرأ أيضًا
. تم .
التعليقات