
تناولت تقارير إعلامية الوضع الراهن من حالة الرفض والقلق التي تشهدها الدول المجاورة لليبيا، وذلك عقب ورود أنباء تتعلق بإنشاء قاعدة عسكرية فرنسية في جنوب البلاد. وقد أثارت هذه القضية مخاوف متزايدة لا سيما في الجزائر وتشاد والنيجر، التي تعتبر هذه الخطوة تهديدًا مباشرًا لاستقرار الإقليم الذي يعاني أساسًا من تزايد التوترات الأمنية.
تشير التقارير إلى أن القلق لدى دول الجوار قد ازداد بعدما شهدت العلاقات الفرنسية تقاربًا مع الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وذلك في أعقاب زيارته الأخيرة إلى باريس ولقائه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
تخشى هذه الدول أن يتجه France نحو تعزيز وجودها العسكري في الجنوب الليبي، وبالتحديد في قاعدة “ألويغ”، التي تقع بالقرب من مثلث الحدود بين ليبيا والجزائر وتشاد.
تشاد تحذر من تفاقم المخاطر الأمنية مع عودة فرنسا للساحل
بدورها، أبدت تشاد قلقًا شديدًا إزاء فكرة إنشاء قاعدة فرنسية بالقرب من حدودها الشمالية، وتحديدًا في قاعدة ألويغ الواقعة في جنوب ليبيا.
ويُعتبر المسؤولون السابقون أن هذا الوجود يمثل تهديدًا مباشرًا لأمن تشاد والنيجر، مما يمنح فرنسا قدرة إضافية للتدخل في شؤون هذه الدول.
مخطط فرنسا لتعويض انسحابها من منطقة الساحل
نقلت وسائل الإعلام عن حسين المهاجري، نائب رئيس البرلمان التشادي السابق، قوله إن “القاعدة تبعد حوالي 75 كيلومترًا عن الشريان الرئيسي الذي يربط تشاد والنيجر، مما يجعلها نقطة استراتيجية حيوية تتيح لفرنسا مراقبة الطريق الذي تُهرّب عبره الذهب والأسلحة وحتى البشر، نظرًا لنشاط هذه العمليات في المنطقة”.
كما أضاف المهاجري أن الجنوب الليبي يكتظ بالمجموعات المسلحة والباحثين عن الذهب، بالإضافة إلى وجود معارضين تشاديين يمكن أن يتم استغلالهم كأدوات للضغط على الأمن الوطني.
وأشار إلى أن “فرنسا تسعى لتعويض انسحابها من النيجر وتشاد من خلال إعادة التموضع في الجنوب الليبي، مما يمكنها من الاستمرار في التأثير على الوضع الإقليمي تحت غطاء مكافحة الإرهاب”.
الجزائر ترفض أي وجود عسكري أجنبي على حدودها
من ناحية أخرى، تؤكد الجزائر موقفها الراسخ برفض أي تواجد عسكري أجنبي في شمال إفريقيا والساحل، مشددة على أن ذلك يشكل انتهاكًا لسيادة الدول ويؤدي إلى تفاقم التوترات والصراعات الإقليمية.
وذكر مصدر رسمي جزائري أن “الموقف الجزائري كان واضحًا لسنوات نرفض أي قاعدة عسكرية أجنبية بالقرب من حدود الجزائر، سواء كانت فرنسية أو غيرها”.
وأضاف المصدر أن “تجارب التمركزات العسكرية السابقة أثبتت أنها لا تساهم في تحقيق الاستقرار، بل تزيد من هشاشة الأوضاع وتفتح المجال أمام الاستقطابات الإقليمية والدولية”.
كما نوه المسؤول إلى أن إقامة قاعدة فرنسية في ليبيا لن تساعد في حل الأزمة الليبية، بل ربما تعقد جوانبها، خصوصًا في ظل الانقسام السياسي الحاد بين الفصائل المحلية، مشيرًا إلى أن الخطوة الفرنسية قد تُعتبر محاولة لتعزيز النفوذ بعد فقدان قواعدها في الساحل.
النيجر تعبر عن مخاوفها من نوايا فرنسا لزعزعة الاستقرار
في السياق ذاته، أبدت النيجر رفضها التام لأي تحرك فرنسي جديد في الإقليم، مشددة على أن محاولات باريس لإقامة قاعدة عسكرية في جنوب ليبيا ترتبط بنواياها لاستعادة السيطرة على منطقة الساحل بعد فقدان نفوذها في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
ونقل مصدر دبلوماسي نيجري أن بلاده “تعتبر هذا التحرك الفرنسي تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، خاصة في ظل الإشارات التي تربط بين فرنسا وبعض العمليات المثيرة للريبة في المنطقة، مثل إطلاق سراح بعض المتهمين بالتعاون مع قوى أجنبية بهدف زعزعة استقرار النيجر”.
كما اعتبر المصدر أن “فرنسا تواصل البحث عن موطئ قدم جديد بعد إخراجها من النيجر، وأن إعادة التمركز في ليبيا يمكّنها من التدخل بقوة في شؤون دول المنطقة، مما يهدد التوازن الأمني الهش ويعيد إحياء الأزمات”.
فرنسا ودول الساحل
يعتقد المراقبون أن فرنسا تسعى للعودة بقوة إلى منطقة الساحل وشمالي إفريقيا بعد سلسلة من الانسحابات والإخفاقات العسكرية على مدار السنوات الأخيرة. وقد وجدت في المشير خليفة حفتر حليفًا محتملاً لتحقيق هذا الهدف، خاصة مع تحركه بعيدًا تدريجياً عن التحالف الروسي وتوجهه نحو المعسكر الغربي.
لكن هذا التقارب لم يلقَ ترحيبًا في دول الجوار، بل أثار قلقًا متزايدًا من احتمالية انزلاق المنطقة نحو مزيد من التوتر، خاصة في ضوء استمرار الانقسامات الليبية ووجود فراغ أمني في الجنوب يمكن أن تستغله الأطراف الدولية والإقليمية.
تحذيرات من تصاعد التوتر في منطقة الساحل
تعكس مواقف الجزائر وتشاد والنيجر بوضوح الرفض الإقليمي الواسع لأي تمركز عسكري فرنسي في جنوب ليبيا. وترى هذه الدول أن مثل هذه الإجراءات تهدد أمنها القومي وتفتح المجال لموجة جديدة من التدخلات الأجنبية في منطقة تحتاج إلى حلول سياسية وتنموية، وليس مزيد من التسلح.
مع استمرار هذا الرفض الجماعي، تبقى فرص فرنسا لإنشاء قاعدة عسكرية في ليبيا رهينةً لحسابات جيوسياسية دقيقة، خاصة في حالة مواجهتها لضغوط إقليمية ودولية، مع استمرار الشكوك حول نواياها الحقيقية في المنطقة.
اقرأ المزيد
التعليقات