
في خطوة فاجأت الكثيرين وأثارت تساؤلات عميقة، أقر مجلس الوزراء الجزائري في آخر اجتماعاته مشروع قانون يتعلق بالتعبئة العامة. جاء ذلك في وقت تشهد فيه البلاد تحولات داخلية وإقليمية سريعة، تتراوح بين أزمات مع الدول الجارة وتصاعد التوترات الاجتماعية.
قانون التعبئة العامة تكييف دستوري أم استعداد استراتيجي
وفقًا لتقارير إعلامية، تروج الحكومة الجزائرية لهذا القانون الجديد على أنه خطوة دستورية استجابة للمادة 99 من الدستور، التي تمنح رئيس الجمهورية الحق في إعلان التعبئة العامة بعد استشارة المجلس الأعلى للأمن ورؤساء غرفتي البرلمان.
ومع ذلك، يثير مضمون القانون وتوقيته تساؤلات حول المعاني الحقيقية وراء هذه الخطوة، خصوصًا أنها تتجاوز الإطار العسكري التقليدي لتشمل جوانب مدنية واقتصادية ورقمية.
ما هي دلالات التعبئة العامة في الجزائر
حسب البيان الرسمي من رئاسة الجمهورية، يهدف مشروع القانون إلى “تنظيم وتحضير وتنفيذ التعبئة العامة” في حالات الحرب أو الأزمات الكبرى، بما في ذلك الجوائح الصحية والتهديدات السيبرانية.
ويمتد نطاق التعبئة ليشمل القطاعات الحيوية مثل الصحة، والاقتصاد، والطاقة، والنقل، والإعلام، والموارد البشرية، مما يعكس توجهًا نحو استغلال شامل لمقدرات الدولة تحت شعار “الأمن القومي”.
توقيت قانون التعبئة العامة يثير القلق
يتزامن هذا المشروع مع توتر العلاقات الجزائرية مع بعض دول الجوار، خصوصًا مالي والنيجر، بالإضافة إلى تصاعد أزمة دبلوماسية مع فرنسا.
كما تواجه الجزائر تحديات دبلوماسية مع دول الساحل الإفريقي، علاوة على بعض الصعوبات المتكررة في ملف الصحراء الغربية، في وقت يتزايد فيه الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي المغربية.
في هذا السياق، يبدو أن قانون التعبئة يمثل أكثر من مجرد خطوة قانونية؛ بل يعد أداة لإعادة تشكيل الرؤية الأمنية للدولة، وربما تمهيدًا لمرحلة تتطلب مواجهة متعددة الأبعاد.
تحصين داخلي أم تقييد للحريات
رغم تأكيد بعض المحللين أن التعبئة لا تعني بالضرورة إعلان الحرب، فإن توسيع نطاق القانون ليشمل الحياة المدنية يثير مخاوف من استخدامه لزيادة الضغوط الأمنية وتصعيد التوقيفات والملاحقات ضد المعارضين تحت ذريعة حماية الأمن القومي.
وينتاب القلق نشطاء حقوقيون من أن يتحول هذا القانون إلى وسيلة لتقييد الحريات العامة، خصوصًا في ظل بيئة سياسية واجتماعية متوترة، وتزايد الاحتقان في الشارع.
إعادة تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع
يشير مراقبون إلى أن مشروع القانون يأتي عقب سلسلة من التغييرات العميقة في الهيكل العسكري والأمني، التي شملت إعادة هيكلة وزارة الدفاع وتعديلات في أجهزة الاستخبارات.
وفي ظل هذه التطورات، يبقى التساؤل مطروحًا هل تستعد الجزائر فعليًا لمواجهة وشيكة، أم أن الدولة بصدد إعادة تشكيل استراتيجي يمهد لمرحلة جديدة من الحكم تعتمد على مركزية القرار وتحشيد الموارد تحت عنوان “الاستعداد الدائم”
اقرأ أيضًا
.
تم .
التعليقات